الجمعة، 30 ديسمبر 2022

حربٌ بلا رصاص

تمهيد

في مقالة ترجمتُها لجورج أورويل عام 2019، بعنوان: «حربٌ بلا رصاص»، يجادل أورويل أنَّ كرة القدم تؤدي إلى إلهاب مشاعر الكراهية بين الشعوب لا إلى زيادة التآخي بينها؛ إذ يزعم مناصرو هذه الفكرة أنَّ الشعوب إذا تلاقت في الملعب لم تتلقَ في ساحة الحرب. ويلاحظ أورويل أن الأمم حديثة العهد بالأفكار القومية والوطنية هي الأكثر ميلًا إلى عدِّ المباريات الرياضية مجالًا من مجالات الكفاح التي يتوقَّف عليها شرف الأمة. 

قلتُ: لا يُتَصوَّر أن يشجع الأمريكي منتخب إنكلترا في كأس العالم لوحدة التاريخ واللغة والمذهب، ولا أن يُشجع الإنكليزي أي منتخب يواجه ألمانيا لما في تاريخ الدولتيْن من مذابح وحروب تتقزَّم إلى جانبها حروب العالم أجمع. في حين نجد أن مواطني الدول الواقعة تحت سحرِ المشاعر القومية تتعامل مع المباريات كأنها مُنازلات عظمى تتوقف عليها مصائر الأمم. في نهائي كأس العالم، كثير من مشجعي هذه الدول كان يُناوئ أحد الفريقيْن لأسباب لا تمتُّ للرياضة بصلة؛ إما سياسية أو دينية أو تاريخية، حقيقة أو مُتخيَّلة. 

أمر ما لم يستفض فيه أورويل، لأنه لم يكن متأصِّلًا في الرياضة في زمانه، هو: الربح المالي. إذ بمرور الوقت، أصبحت كرة القدم صناعةً ضخمةً تُدرُّ مليارات الدولارات، ولذا صار هناك دافع مالي للزجِّ بالسياسة والديانة والقومية فيها؛ لما لهذا من أثر في تهييج عواطف المشاهدين ودفعهم لتتبَّع المباريات والاشتراك في خدمات البث، مما يزيد من مشاهدي الإعلانات. بل إن هذا يجذب من ليس من مشاهدي الرياضة (من أهل العلماء والأدباء والدين) للمشاهدة، لما يرونه من رمزية عظيمة في انتصار الأمة والدين وإغاضة العِدَى (بركلات الترجيح).
 
قبل 12 سنة، عندما أُعلنَ فوزُ قطر بتنظيم كأس العالم، كتبت تدوينةً فيها: «هذه هي اللحظة العربية الأمجَد منذ حرب أكتوبر». الآن، وقد عجمتني السنون وعلمتني الأيام، لم أعد أرى فيها لحظةً عربيةً مجيدةً (بل قد تطوَّر فهمي أيضًا لحرب أكتوبر، وصرت أُميِّزُ بين الحقيقة التاريخية والدعاية السياسية).

الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

هنري ديفيد ثورو (1817-1862): هل يجب على المواطن أن يُخضع ضميره للقانون؟


المجال: الفلسفة السياسية - المذهب: عدم الانصياع
بعد مضي ما يقارب القرن من إعلان جان جاك روسو، القائل أن الطبيعة في جوهرها طيبة، قام الفيلسوف الأمريكي هنري ثورو بأخذ الفكرة إلى مدى أبعد، فقال: "كل ما هو جيد هو برّيٌّ وحر"، فيما قوانين الإنسان تقمع الحريات المدنية، بدل أن تحميها. لقد رأى أن الأحزاب السياسية استبدادية بالضرورة، وأن سياساتها تسير على الضد من مبادئنا الأخلاقية. لذا، فهو يؤمن أن واجب الأفراد هو الاحتجاج على القوانين الجائرة، لأن الصمت والسلبية تجاه هذه القوانين سيعطيها شرعية عملية: "كل أحمق يمكنه أن يسنَّ قانونا، وكل أحمق سيلتزمُ به"، هكذا قال عن قواعد اللغة الإنجليزي، كذلك تنطبق هذه القاعدة على فلسفته السياسية.

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

سلافوي زيزاك (1949): أفضل التحليلات الماركسية دائما ما تكون تحليلا لفشل

المجال: الفلسفة السياسية - المذهب: الماركسية
ظهرت الفكرة التي تقول إنَّ أفضلَ التحليلات الماركسية هي التحليلات التي تتناول حالات الفشل، في مقابلة اجراها الفيلسوف السلوفيني سلافوي زيزاك عام 2008. فلقد سُئل زيزاك في المقابلة عن رأيه في أحداث تشيكوسلوفاكيا عام 1968، حيث لم تكد تبدأ فترة من الإصلاح، هدفت إلى تخفيف مركزية القرار وزيادة الديمقراطية في البلد، حتى تم انهاؤها بشكل عنيف من قبل الاتحاد السوفييتي وحلفائه. أجاب زيزاك، أن سحق الإصلاحات أصبح لاحقا مصدرا لأسطورة حملها اليسار السياسي، ألا وهي: لو أن الإصلاحات سارت في طريقها، لحلَّ على أثرها نعيم سياسي واجتماعي.

الاثنين، 31 مارس 2014

أبيقور (٣٤١-٢٧٠ ق.م.): لا شيء هو الموت بالنسبة لنا

المجال: الأخلاق - المذهب: الأبيقورية

نشأ أبيقور في زمنٍ وصلت فيه الفلسفة إلى ذروتها في أفكار أفلاطون وأرسطو، وهو زمن انتقل تركيز التفكير الفلسفي فيه من الفلسفة الأولى (الميتافيزيقا) إلى الأخلاق، وكذلك من الأخلاق السياسية إلى الأخلاق الشخصية. وكيفما كان الأمر، فلقد وجد أبيقور بذور مدرسته الجديدة في أفكار الفلاسفة المتقدمين، مثلا في فحص سقراط للحقائق القيمية والمفهومية التي ينطوي عليها الإنسان.

الثلاثاء، 25 مارس 2014

دزيدريوس إرازموس (١٤٦٦-١٥٣٦): في الجهل تكمن الحياة الأسعد


المجال: فلسفة الدين - المذهب: الإنسانوية

 "تُبلَغُ السعادة حين يدرك الشخص أنه مستعدٌ لأن يكون على سجيته".
دزيدريوس إرازموس
تعكس رسالة دزيدريوس إرازموس، المدعوة "في تفضيل الحماقة"؛ تعكس الأفكار الإنسانوية التي بدأت باجتياح أوروبا مطلعَ عصر النهضة، والتي مارست دورا رئيسا في الإصلاح الديني. إنها سخرية لاذعة من المفاسد، والمهاترات العقديّة، التي وقعت فيها الكنيسة الكاثوليكية، تنطوي على رأيهُ الجديّ الذي يقول: أن الحُمْق - ويعني به الجهل البريء - جزءٌ جوهريٌ من كوننا بشرا، وأنهُ الطريق الرئيس لبلوغ أقصى قدرٍ من السعادة والرضا؛ ويزعمُ أن المعرفة يمكن أن تصبحَ عبئا، ويمكن أن تقود إلى اشكالاتٍ قد تجعل الحياة مضنية. 

الخميس، 20 مارس 2014

فولتير (١٦٩٤-١٧٧٨): الشك ليس وضعا مريحا، ولكنَّ اليقين سُخْف


المجال: الإبيستمولوجيا - المذهب: الشكيّة

كان فولتير مفكرا فرنسيا عاش في عصر الأنوار، وهو عصر اتسم بالتشكك الحاد حيال العالم وطريقة عيش الناس فيه. فيه وجّه الفلاسفة والكتاب الأوربيين اهتمامهم تجاه السلطات المستقرة والمتعارف عليها - كالكنيسة والدولة - مشككين بصلاحها وأفكارها؛ بينما كانوا يبحثون عن منظورٍ جديد للعيش على هديه. فحتى القرن السابع عشر، قَبل الأوربيون على الأغلب تفسيرات الكنيسة إزاء الموجودات، وكيف، ولماذا نشأت. 

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

بيتر سينجر (١٩٤٦): في المعاناة، نحن والحيوانات سواء

المجال: الأخلاق - المذهب: النفعية
يقول سينجر: حِساب قيمة الحياة هي القضية الأخلاقية الأصعب على الإطلاق

عُرف الفيلسوف الأسترالي بيتر سينجر بصفته أشد دعاة حقوق الحيوان نشاطا بُعيْد نشر كتابه "تحرير الحيوان" عام ١٩٧٥. يتبع سينجر مقاربة نفعية في الأخلاق، على خُطى الإنجليزي جيرمي بنتام أواخر القرن الثامن عشر. تطلب النفعية منا الحكم على القيمة الأخلاقية للفعل بواسطة تبعات هذا الفعل. بالنسبة لبنتام، السبيل لفعل هذا يكون من خلال حساب مجموع اللذة أو الألم المتأتي عن أفعالنا، بصورة شبيهة بمعادلة رياضية.