الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

هاجيمي تاناب (١٨٨٥-١٩٦٢): اعترف، حتى تتفلسف


المجال: الأخلاق - المقاربة: الظاهراتية
 قبل أن تقرأ: اعترف! قد تبدو هذه فكرة غريبة، ولكنها إحدى الأفكار التي يريد لنا الفيلسوف الياباني هاجيمي تاناب أن نأخذها بجدية. يؤمن تاناب أنه إن أردنا التفلسف، فلا محيص لنا من أن نعترف. ولكن، بماذا نعترف، ولماذا؟

بغية الاجابة على هذه الأسئلة علينا أن نرى جذور فلسفة تاناب في التقاليد الفلسفية الأوروبية واليابانية. في الفلسفات الأروبية، لتاناب جذور تمتد لسقراط في القرن الخامس قبل الميلاد. وسقراط مهم لتاناب لأنه أعترف صراحة، أنه لا يعرف شيئا. فوفقا للقصة، قالت عرّافة دلفي أن سقراط أحكم الناس طرا في أثينا، فأراد سقراط الذي كان أكيدا من جهله أن يثبت خطأ العرّافة. وبعد محادثات لا تحصى مع أهل أثينا، استنتج أنه فعلا أحكم أهل المدينة، لأنه الوحيد القادر على تقبّل حقيقة أنه لا يعرف شيئا.

وفي الفلسفات اليابانية لفكرة تاناب جذور تتصل بالراهب البوذي شينران، المنتسب إلى مدرسة الأرض النقية في البوذية. كانت بدعة شينران تقول أن الاستنارة محالة إن نحن اعتمدنا على قدرتنا، بل علينا أن نعترف بجهلنا ومحدوديتنا، فنكون إذن مستعدين لما يدعوه شينران وتاناب بالتاريكي، أو "القدرة الأخرى". في بوذية الأرض النقية هذه القدرة الأخرى هي روح بوذا، أما في فلسفة تاناب فالاعتراف يقود إلى إدراك "العدمية المطلقة"، وبالتالي إلى يقظة الذات والحكمة.



هجر الذات

إذن فليست الفلسفة في نظر تاناب نقاش في مسائل دقيقة في المنطق، وليست حجاجا أو جدالا في هذه القضية أو تلك، بل وليست حتى نشاطا عقليا. إنها في نظر تاناب أمر أكثر جذرية، إنها عملية اتصال بوجودنا، على أعمق مستوى ممكن، وهذه فكرة تبلورت لديه جزئيا من قراءته لمارتن هايدجر. فمن خلال الاعتراف فحسب، يمكننا أن نعيد اكتشاف وجودنا الحقيقي، عملية يصفها بلغة دينية كعملية موت ثم نشور. هذا الموت والنشور هو عملية إعادة ولادة العقل من خلال "القدرة الأخرى"، وهي تمرّ من رؤية محدودة للذات إلى منظور مستنير. وهذا الانتقال ليس مجرد عملية تهيئة للتفلسف، إنها في حد ذاتها الفلسفة، وهي ذات جذور ريبية تؤدي إلى "هجر الذات وتسليمها للقدرة الأخرى". إن الفلسفة بعبارة أخرى ليست نشاطا نمارسه، ولكنها شيء يحدث لنا متى ما أمكننا الوصول إلى ذواتنا الحقيقة، بواسطة هجر ذواتنا، وهي ظاهرة يدعوها تاناب "فعل بلا فاعل".

يقول تاناب أن الذي يحدونا إلى إدراك محدوديتنا هو الاعتراف المستمر. وبعبارة أخرى، لا يطلب منا تاناب إيجاد إجابات جديدة لأسئلة الفلسفة القديمة، بل لإعادة تقويم طبيعة الفلسفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق