الاثنين، 11 نوفمبر 2013

سيورين كيركجارد (١٨١٣-١٨٥٥): الهلع هو دوخة الحرية

المجال: الميتافيزيقا - المقاربة: الوجودية
تطورت فلسفة سيورين كيركجارد كرد فعل على المثالية الألمانية التي هيمنت على القارة الأوربية في منتصف القرن التاسع عشر، خصوصا فلسفة جورج هيجل. أراد كيركجارد إبطال فلسفة هيجل القائلة بنظام فلسفي كامل يضع البشر كجزء في عملية تاريخية حتمية، أراد إبطالها من خلال رؤية أكثر ذاتية، وكذلك أراد أن ينظر إلى "ما يعنيه أن نكون بشرا"، ليس في وسط نظام فلسفي كبير، بل كبشر يملكون زمام أنفسهم.
 

يؤمن كيركجارد أن ما يحدد حياتنا هي أفعالنا، التي هي نتاج خياراتنا، إذن فكيفية اتخاذنا الخيارات تحدد حياتنا. مثل هيجل يرى أن الخيار الأخلاقي هو خيار بين اللذائذية والأخلاقية، ولكنه على عكس هيجل الذي يرى أن خيارنا يتحدد بواسطة الظروف التاريخية والمكانية لزماننا، يعتقد كيركجارد أن الخيار الأخلاقي هو خيار حر بإطلاق، وفوق ذلك خيار ذاتي، فإرادتنا وحدها هي التي تتخذ القرار. ولكن، ليس هذا مما يدعو للسعادة، بل على العكس، فهذه الحرية المطلقة في الاختيار تستفز فينا شعورا من الهلع.
 

يوضّح كيركجارد هذا الشعور في كتابه "مفهوم الهلع". كمثال يطلب منا أن نتخيل رجلا يقف على هاوية أو على بناية شاهقة، إن نظر هذا الرجل للحافة سيجد في نفسه شعورين من الخوف: خوف من السقوط، وخوف من حافز يدفعه لأن يرمي بنفسه. النوع الثاني من الخوف، أو الهلع، ناتج عن ادراكه أنه يملك الحرية المطلقة في تقرير رمي نفسه من عدمه، وهذا الخوف يصيبه بالدوار كما تفعل الدوخة. يقترح كيركجارد أننا نختبر هذا الشعور في كل قراراتنا الأخلاقية، حين ندرك قدرتنا على اتخاذ أي قرار، حتى أكثر القرارات بشاعة. فيصف هذا الهلع بأنه "دوخة الحرية"، ويذهب لتبيين أنها وإن كانت تسبب القنوط، فهي تهزنا من غفلتنا لنعي الخيارات المتوفرة. هكذا يزداد وعينا بأنفسنا، ويصير عندنا مسؤولية شخصية.


أب الوجودية 

رفض معاصرو كيركجارد أفكاره، ولكنها صرت جسيمة التأثير في الأجيال القادمة. إصراره على أهمية وحرية خياراتنا، وعلى البحث الدؤوب عن المعنى والمغزى، قدم بنية الوجودية، تلك الفلسفة التي طورها نيتشه وهايدجر، وصارت على يد جان بول سارتر ناجزة. إنها تنظر في سبل عيش حياة حافلة بالمعنى في عالم بلا إله، وفيها كل فعل هو اختيار، باستثناء ولادتنا. لكن على عكس هؤلاء المفكرين المتأخرين، لم يتخل كيركجارد عن إيمانه بالله، ولكنه الأول الذي أكّد إدراك الذات، والهلع من الحرية المطلقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق