السبت، 26 أكتوبر 2013

تيودور أدورنو (١٩٠٣-١٩٦٩): الذكاء مقولة أخلاقية

المجال: الأخلاق - المقاربة: مدرسة فرانكفورت
لفكرة "الأبله التقي" امتداد سحيق في الغرب، نجد بدايتها في رسالة القديس بولس إلى أهل كورنثوس حيث يرجو أتباعه أن يكونوا "بلهاء للمسيح". وعلى امتداد العصور الوسطى تطورت هذه الفكرة في الثقافة الشعبية في صورة القديس أو الحكيم الأبله أو المفتقد للذكاء، ولكن النقي الصالح أخلاقيا. في كتابه "الحد الأدنى للأخلاق" يفحص الفيلسوف الألماني تيودور أدورنو هذا التقليد القديم. يستريب أن وراء هذا التقليد محاولات لأجل "تبرئة وتجميل الأبله". وبدلا عن ذلك يهدف لتبيان أن الخيريّة لابد أن تقتضي كياننا كله، شاملا الوجدان والفهم.

مشكلة فكرة الأبله التقي في نظر أدورنو أنها تفككنا إلى عدة أجزاء، ونتيجة لهذا فهي تجعلنا عاجزين عن الفعل العاقل على الاطلاق. وفي الواقع فإن الحكم الأخلاقي يقاس بمدى اتساق الفهم مع الوجدان. نظرة أدورنو تفترض ضِمنا أن أفعال الشر ليست فشلا على المستوى الوجداني فحسب، بل وأيضا فشل في الذكاء والفهم.  

كان أدرنو عضوا في مدرسة فرانكفورت، وهي مجموعة مهتمة بدراسة التطور الرأسمالي. يشجب أدرنو وسائل الاتصال الجماهيري، كالمذياع والتلفاز، زاعما أنها أدت لتأكل ذكائنا ووجداننا، وإلى اضمحلال قدرتنا على اتخاذ اختيارات وأحكام أخلاقية. في اعتبار أدرنو، حين نتخذ قرارا بتعطيل أدمغتنا من خلال مشاهدة الأفلام التجارية (هذا أصلا إن كان بمقدورنا أتخاذ هذا القرار، نظرا إلى حالة الثقافة السائدة التي نوجد بها)، فنحن نتخذ قرارا أخلاقيا. يؤمن أدرنو أن الثقافة الشعبية ليس فقط تجعلنا أغبياء، بل وأيضا تجعلنا عاجزين عن التصرف أخلاقيا.

مشاعر جوهرية

يرى أدورنو أنه مثلما أننا نرتكب خطأ حين ينعتقد أنه يوجد شيء يدعى أبله تقي، فأننا نرتكب خطأ مماثلا حين نعتقد بوجود حكم قائم على الذكاء فقط، أي بإقصاء المشاعر. يمكن أن يحدث هذا في المحكمة، حيث ينبه القضاة المحلفين عادة أن يزيحوا مشاعرهم جانبا، حتى يتوفر لهم إمكان اصدار حكم دقيق.  

لكن في نظر أدورنو فليس بامكاننا اتخاذ قرار حكيم إن نحن هجرنا العاطفة أو الذكاء.
يقول أدورنو أنه إن افرغنا العاطفة من التفكير فلن يبقى شيء نفكر به، وتصوّر أن الذكاء قد ينتفع باضمحلال العاطفة هو تصوّر خاطئ. لهذه الأسباب يرى أدورنو أن العلوم، وهي صنف من المعرفة لا يقيم وزنا للعاطفة، لها مفعول يجرِّد الانسان من انسانيته، كما تفعل الثقافة الشعبية. 

وللمفارقة قد تكون العلوم هي المُبرهِنة على صواب فلسفة أدورنو في الفهم والوجدان. فمنذ التسعينات درس علماء كأنتطونيو دماسيو المشاعر والدماغ، مقدمين أدلة على الدور الذي تلعبه المشاعر في عملية صنع القرار. لذا فإن كنا نرغب باتخاذ حكم يتصف بالحكمة، أو حتى لاتخاذ أي قرار أصلا، فلا محيص لنا من توظيف المشاعر والذكاء على حد سواء. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق