الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

بول ريكور (١٩١٣-٢٠٠٥): إيجاد الذات في فقدها

المجال: فلسفة اللغة - المقاربة: الهرمنيوطيقية
كانت المرحلة الأولى في مسيرة بول ريكور الفكرية مرحلة وجودية، عززتها دراسته لأعمال كارل ياسبرز بينما كان أسير حرب في معسكر إعتقال ألماني في الحرب العالمية الثانية. ولكن هذه القاعدة الوجودية أخذت مسلكا ظاهراتيا، نحو فلسفات هوسرل وهايدجر، فترجم ريكور الجزء الأول من كتاب هوسرل "أفكار ممهدة لعلم الظاهريات" إلى الفرنسية. وبعد الظاهراتية، أو بالأصح من خلالها، اتجه فكره ناحية الهرمنيوطيقا، وهي التسمية المناسب اطلاقها على فلسفة ريكور الناضجة.

تدرس الهرمنيوطيقا البنى المختلفة التي يمكن بواسطتها اسباغ معنى على الموضوع، وقد تكون هذه البنى: ثقافية أو دينية أو اجتماعية أو لغوية، وهي تدين بالكثير للدراسة الظواهراتية للتجربة، ولكن، في الوقت ذاته، تقدم نقدا شديدا لمبادئ الظاهراتية التقليدية.

تتوافق الهرمنيوطيقا مع اثنين من اهتمامات ريكور الرئيسة، ألا وهي التأويل الإنجيلي؛ والتساؤل الفلسفي في تأويل النص، كما جاء لدى شيلماخر وديلتاي وهايديجر وجادمير. بدلا من الذاتية الشفافة للكينونة المستقلة، التي تقوم عليها الفلسفة الظاهراتية، توجد الحاجة لتأويل المعنى في بنى مختلفة. بالنسبة لريكور فالمعنى الذي تحمله البنية، كبنية النص، لا يمكن استيعابه استيعابا كاملا، ولذلك فالذات لا يحق لها ادعاء المعرفة المطلقة في شيء، ولا حتى في معرفة نفسها. وإذا كان الهم الرئيسي للهرمنيوطيقا هو المعنى، فإن المبدأ الذي يوجه الهرمنيوطيقا هو أن المصادر المتعددة للمعنى لا يمكن ترويضها والتوفيق بينها جميعها في اعتبار أو خطاب واحد.

عمل ريكور هو دراسة متنبهة لخطابات شتى والكيفية التي تمسّ فيها الموضوع، مع تحطيم أي محاولة لتوحيدها، وهو عمل مهم في جدالات الظاهراتية والوجودية والهرمنوطيقية والنظرية النقدية والتفكيكية والمابعد بنيوية. إنه يقدم فلسفة تتوسط بين الموقف التقليدي في هرمنيوطيقا جادمير وظاهرية هوسرل، وبين النقد المابعد بنيوي لهذه المواقف كما قدمه دريدا ولويتار (وكلاهما زاملا ريكور في مقاعد الدراسة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق